# حرب المعادن النادرة تشتعل: صراع الهيمنة التكنولوجية والاقتصادية بين واشنطن وبكين
يشهد العالم اليوم
تصاعدًا ملحوظًا في التوترات التجارية والجيوسياسية بين أكبر قوتين اقتصاديتين
عالميتين، الولايات المتحدة والصين. وفي قلب هذا الصراع المتنامي تكمن قضية
استراتيجية ذات أبعاد اقتصادية وتكنولوجية وعسكرية هائلة: المعادن الأرضية النادرة.
هذه العناصر الكيميائية، التي تُعد بمثابة "فيتامينات" الصناعات
الحديثة، أصبحت ورقة ضغط حاسمة في حرب تجارية قد تشكل ملامح الاقتصاد العالمي
للعقود القادمة. فمن يمتلك زمام هذه المعادن، يمتلك مفتاح المستقبل التكنولوجي
والسيادي.
![]() |
# حرب المعادن النادرة تشتعل: صراع الهيمنة التكنولوجية والاقتصادية بين واشنطن وبكين |
## ما هي المعادن الأرضية النادرة ولماذا هي حيوية؟
قبل الغوص في تفاصيل الصراع، من المهم فهم ماهية هذه المعادن وأهميتها القصوى. تشير "المعادن
الأرضية النادرة" إلى مجموعة من 17 عنصرًا كيميائيًا موجودة في الجدول
الدوري، وتحديدًا السكانديوم والإيتريوم ومجموعة اللانثانيدات. على الرغم من أن
اسمها يوحي بالندرة، إلا أن هذه المعادن ليست نادرة بالمعنى الجيولوجي؛ فهي منتشرة
نسبيًا في القشرة الأرضية. ومع ذلك، فإن استخراجها ومعالجتها عملية معقدة، مكلفة،
وتتسبب في أضرار بيئية كبيرة، نظرًا لتشتتها ووجودها غالبًا بتركيزات منخفضة.
- تكمن القيمة الحقيقية لهذه المعادن في خصائصها المغناطيسية والكهربائية والبصرية الفريدة، مما
- يجعلها لا غنى عنها في مجموعة واسعة من التطبيقات التكنولوجية الحديثة. إنها المكونات الأساسية
- لكل شيء بدءًا من:
* **الإلكترونيات الاستهلاكية:** الهواتف الذكية، أجهزة الكمبيوتر
المحمولة، التلفزيونات ذات الشاشات المسطحة، ومصابيح LED.
* **الطاقات المتجددة:** توربينات الرياح ومحركات السيارات
الكهربائية (خاصة البطاريات والمغناطيس الدائم).
* **التقنيات الطبية:** أجهزة التصوير بالرنين المغناطيسي (MRI) وبعض علاجات
السرطان.
* **الصناعات الدفاعية والعسكرية:** هنا تبرز الأهمية الاستراتيجية
القصوى. تُستخدم المعادن النادرة في صناعة الطائرات المقاتلة المتقدمة مثل F-35، الغواصات، أنظمة الليزر، الأقمار الاصطناعية،
وصواريخ توماهوك، وغيرها من التقنيات العسكرية عالية الأداء. إن القدرة على إنتاج
هذه المعدات تعتمد بشكل مباشر على توافر هذه المعادن.
## هيمنة الصين واقع جيوسياسي واقتصادي
تُعد الصين اللاعب الأبرز والأكثر هيمنة في سوق المعادن الأرضية النادرة عالميًا. وفقًا لوكالة
الطاقة الدولية، تستحوذ الصين على 61% من الإنتاج العالمي المستخرج من المعادن
الأرضية النادرة، والأكثر إثارة للقلق هو سيطرتها على 92% من الطاقة الإنتاجية
العالمية في مرحلة المعالجة والفصل. هذه الهيمنة لم تأتِ من فراغ، بل هي نتيجة
لسنوات من السياسات الصناعية الصينية التي ركزت على تطوير القدرات التعدينية
والمعالجة، بينما تراجعت دول أخرى عن هذا القطاع بسبب التكاليف البيئية
والاقتصادية.
- تُظهر هذه الأرقام اعتمادًا عالميًا هائلاً على الصين، خصوصًا الولايات المتحدة. فبين عامي 2020
- و2023، جاء ما يقرب من 70% من واردات الولايات المتحدة من مركبات ومعادن العناصر
- الأرضية النادرة من الصين، وفقًا لتقرير هيئة المسح الجيولوجي الأميركية.
هذا الاعتماد ليس
فقط على المعادن الخفيفة، بل يمتد ليشمل المعادن النادرة الثقيلة الأكثر ندرة،
والتي لا تزال الولايات المتحدة تفتقر إلى القدرة على فصلها ومعالجتها محليًا بعد
الاستخراج. وحتى وقت قريب، كانت الولايات المتحدة ترسل جميع المعادن النادرة
الثقيلة المستخرجة من منجمها الوحيد في كاليفورنيا إلى الصين لإجراء عملية الفصل
الحيوية.
## تصعيد حرب المعادن من القيود إلى ورقة الضغط
لم يكن الصراع حول
المعادن الأرضية النادرة وليد الإدارة الأميركية الحالية. فمنذ سنوات، عززت الصين
سيطرتها شبه الكاملة على هذه المعادن كجزء من استراتيجيتها الصناعية الأوسع. لكن
التوترات تصاعدت بشكل حاد مع بداية الحرب التجارية في عهد الرئيس الأميركي دونالد
ترامب.
- في خطوة عدها الكثيرون ردًا مباشرًا على الرسوم الجمركية التي فرضتها واشنطن على السلع
- الصينية، بدأت بكين في تشديد قيودها على صادرات المعادن الأرضية النادرة. كانت هذه الإجراءات
- بمثابة إشارة واضحة لاستعداد الصين لاستغلال هذا الاعتماد الأميركي كسلاح في المواجهة
- الاقتصادية.
وفي أحدث خطواتها
التصعيدية، أضافت الصين خمسة عناصر أرضية نادرة رئيسة إلى قائمتها الخاضعة للرقابة
– وهي الهولميوم، الإربيوم، الثوليوم، اليوروبيوم، والإيتربيوم – بالإضافة إلى
المغناطيسات والمواد ذات الصلة. هذا يعني أن تصدير هذه العناصر سيتطلب تراخيص
تصدير خاصة. وبذلك، يرتفع إجمالي عدد العناصر الأرضية النادرة التي تخضع لرقابة
بكين إلى 12 عنصرًا. ولم تكتفِ الصين بذلك، بل فرضت أيضًا تراخيص على تصدير تقنيات
تصنيع العناصر الأرضية النادرة، مما يحد من قدرة الدول الأخرى على تطوير قدراتها
الذاتية.
كان رد الفعل الأميركي حادًا. وصف ترامب هذه الخطوات بـ "الأمر العدائي"، وهدد بمواجهة التحرك الصيني ماليًا، مؤكدًا أن الولايات المتحدة لديها "عنصران مقابل كل عنصر تمكنوا من احتكاره". هذه التصريحات تعكس قلق واشنطن العميق من تأثير هذه القيود على صناعاتها الحيوية وقدراتها الدفاعية.
## تداعيات الصراع ومستقبل المعادن النادرة
يمثل هذا الصراع على
المعادن الأرضية النادرة نقطة تحول حاسمة في العلاقات الدولية. فمع استمرار الصين
في استخدام نفوذها، تسعى الولايات المتحدة وحلفاؤها جاهدين لتقليل اعتمادهم على
بكين. تشمل الاستراتيجيات المحتملة:
1. **تنويع سلاسل التوريد:** البحث عن مصادر جديدة للمعادن النادرة
خارج الصين، مثل أستراليا، فيتنام، الهند، والبرازيل.
2. **الاستثمار في القدرات المحلية:** تطوير مناجم جديدة ومنشآت
معالجة وفصل المعادن النادرة داخل الولايات المتحدة أو لدى حلفائها. وهذا يتطلب
استثمارات ضخمة وتجاوز تحديات بيئية كبيرة.
3. **إعادة التدوير:** تعزيز تقنيات إعادة تدوير المعادن النادرة من
المنتجات الإلكترونية والبطاريات القديمة، لتقليل الحاجة إلى الاستخراج الجديد.
4. **الابتكار التكنولوجي:** البحث عن مواد بديلة أو تقنيات جديدة
تقلل من الاعتماد على المعادن النادرة في بعض التطبيقات.
تتجاوز هذه الحرب
الاقتصادية مجرد تبادل للرسوم الجمركية؛ إنها صراع على الهيمنة التكنولوجية
والسيادة الوطنية في عصر يعتمد بشكل متزايد على التقنيات المتقدمة. فمن يتحكم في
المعادن التي تغذي هذه التقنيات، يتحكم في مصير الابتكار والقدرة الدفاعية.
**خلاصة القول،**
حرب المعادن النادرة بين واشنطن وبكين ليست مجرد نزاع تجاري عابر، بل هي معركة
استراتيجية طويلة الأمد ستحدد من سيمتلك زمام التكنولوجيا والاقتصاد في القرن
الحادي والعشرين. وبينما تستغل الصين هيمنتها، تسرع الولايات المتحدة وحلفاؤها
الخطى لتقليل نقاط ضعفهم، في سباق محموم لضمان أمن سلاسل التوريد والحفاظ على
التفوق التكنولوجي. النتيجة النهائية لهذا الصراع ستؤثر حتمًا على كل جانب من
جوانب حياتنا الحديثة.